تابعنا
منذ الأيام الأولى في رمضان بشغف شديد مسلسل " ذات " للمخرجة كاملة أبوذكري
والسيناريست مريم نعوم, والمأخوذ عن رواية بنفس الأسم للكاتب الكبير صنع الله
إبراهيم.
والحقيقة كانت الحلقات الأولي لا تبشر بعمل جيد
فحسب، بل تبشر بعمل عظيم.. فقد قرأت الرواية الأصلية منذ بضعة سنوات، وبدأت في
اعادة قراءتها مرة أخرى عندما قرأت ان شركة أفلام مصر العالميه تستعد لإنتاجها في
مسلسل تليفزيوني في 15 حلقة.. وكان لدي شغف شديد لمشاهدة هذا العمل وخصوصاً انه
يؤرخ لفترة هامة في تاريخ مصر، وأيضاً لأعجابي الشديد بأعمال الأستاذة كاملة أبو
ذكري والكاتبة مريم نعوم..
بدأنا
بالانبهار والاندهاش من ابداع الكاتبة في سرد تاريخ مصر عبر " ذات
" الشخصية الرئيسية في المسلسل، ولمسنا الحرفية الشديدة للمخرجة في اختيار فريق
الممثلين وتوجيههم، وكذلك اختيارها الموفق للديكور والملابس عن كل مرحلة زمنية..
ولم
يخلو الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعية في الإثناء والإشادة بهذا العمل، وأمتلأت
الصفحات الشخصية لصناع المسلسل بالتهاني والمباركة على صناعة هذا العمل
العظيم، ولم تخفي أيضا مخرجته - على صفحتها - فرحتها بردود الافعال الايجابية حول عملها.
وكتب
العبد الفقير لله في العاشر من رمضان بعد مشاهدة العشر حلقات الأولى من معظم
المسلسلات المعروضة أنه أفضل مسلسل بالمشاركة مع مسلسل " بدون ذكر أسماء
" للكاتب الكبير وحيد حامد والمخرج الموهوب تامر محسن
ولكن
ماذا حدث ل " ذات " ؟
تفاجئ
المشاهدين بوجود مخرج ثان للعمل قام بإخراج الحلقات من الثامنة عشر
حتى النهاية.. لم تكن مفاجأة بالنسبة لي، فكنت اعلم كما نشرت الصحف منذ أكثر من
عام عن اتجاه الشركة المنتجة لإسناد مهمة اخراج هذه الحلقات للمخرج الكبير خيري
بشاره، بغيةُ ًلحاق المسلسل في سباق رمضان الماضي، ولم أكن اتوقع وقتها ان يلاحظ
المتفرج العادي او يفرق بين مخرج وآخر، فهناك مسلسلات كثيرة هذا العام والأعوام
السابقة اشترك في اخراجها اكثر من مخرج نظرا للظروف الانتاجية وضيق الوقت قبل شهر
رمضان. ولكن يبدو ان الوضع كان مختلف مع " ذات "
ماذا
حدث للمتفرج ؟
في
البداية دعونا نشير إلى أن هذه المفاجأة لم يشعر بها المتفرج من اللحظات الأولي في
بداية الحلقة الثامنة عشر- فمعظم جمهور المسلسلات لا يتابع اسماء تترات
التليفزيون، وخاصة بعد مرور نصف شهر وأكثر من عرض المسلسل، إنما لوحظت تغيير
المخرج من تغيير طريقة سرد الأحداث مع منتصف الحلقة التاسعة عشر عندما اتضح له
الفرق الكبير في سرد الأحداث عبر المخرجة كاملة أبو ذكري وسردها من المخرج خيري
بشاره..
- حالة أشبه بالهرج والمرج كانت بدايتها مجرد
تساؤل.. هما غيروا المخرج؟ لتتحول لعدوى تنتشر على صفحات شبكات التواصل
الإجتماعي... بعدها بدأ الهجوم الشديد على المخرج من قبل بعض النقاد على الأنترنت
وفي الصحف معظمها لم يكن بهدف النقد اوحتى الاشارة للإختلاف الذي طرأ على المسلسل
منذ كتابة اسم الاستاذ خيري بشاره كمخرج آخر للعمل، وبدا الأمر وكأنه تصفية خلافات
شخصية بينهم وبينه.
وبادر
المخرجون من أبناء جيل أ- خيري وكذلك من تلاميذه في الدفاع عن تاريخ المخرج الكبير
المشرف، وكأننا في معركة، أو كأننا أنكرنا هذا التاريخ، واستشهدوا أيضاً بأفلام
عظيمه له !.. فعل محبيه وتلاميذه مثلما فعل معارضيه حينما استشهدوا بمسلسل "
الزوجة الثانية " الذي يعرض هذا العام أيضاً لنفس المخرج.
ليست
هناك علاقة بين العملين بالتأكيد، وهذا ليس موضوعنا الآن.
فلنعود
ل " ذات "
رأيي
ان الانحدار الحقيقي لجودة المسلسل بدأ منذ الحلقة الرابعة عشر، لا اعلم لماذا
شعرت بهذا، ربما بسبب البدء في تكثيف الأحداث.. لكن الاخراج بدى لي كما هو في نفس
قوته.
- حتى
شاهدت الحلقة الثامنة والتاسعة عشر.. فبدأت اشعر – مثل الكثيرين – بإنزعاج حقيقي
من هذا التغير.. بداية من الإهمال الشديد في التفاصيل الصغيرة التي كانت تركز
عليها المخرجة في سردها للأحداث، مروراً بالتمثيل للشخصيات الصغيرة والجديدة علي
الأحداث ك بنتي ذات وعبد المجيد، الذي كان الفرق واضح بينهما وبين الصغيريتين
اللآتي قاما بالدور في الحلقات التي تسبقها، فكان هناك توجيه حقيقي للممثل واضح
علي الشاشة، وكنت اشعر بمدى واقعيتهما وكأنهن روح وجسد حقيقيان لا تمثيل ! وفي
اعتقادي أن هذا لم يظهر في الأدوار الكبيرة ( ذات وعبد المجيد ) بسبب أن تلك الأدوار قام بها ممثلين محترفين..
درسوا الشخصيات جيداً وحافـظوا على توجيهات المخرجة كاملة أبو ذكري.
مروراً
بسرعة تكثيف التصوير وانحصار المشاهد كلها لتكون " داخلي " في منازل
الشخصيات او اماكن عملهم، اللهم بعض مشاهد خارج العمارة او على سلمها. رغم ان
الحلقات السابقة كانت مليئة من مشاهد التصوير الخارجي والمشاهد الأرشيفية للشوارع
– التي أبهرتنا جميعاً - رغم ندرتها وصعوبه الحصول عليها !
وعلى
العكس كانت الحلقات اللاحقة تناقش احداث قريبة جداً من الزمن الحالي، او في الزمن
الحالي نفسه كما في الحلقات الأخيرة. ناهيك عن الديكور والملابس لفترة التسعينات
والتي بدت وكأنها في الزمن الحالي..
وتبدأ
ذروة هذه الظاهرة..
- في
مشهد " زلزال ١٩٩٢ " في بداية الواحدة والعشرون
عندما
أكتشف عبد المجيد أن ابنته " دعاء " تتقابل مع ابن جارهم " هيثم
" فكيف ومتي لنا كجمهور تصلنا تلك المعلومة ؟ اكتشاف الوالد لفعله ابنته، فقد
تم سرد وتصوير هذا المشهد بإهمال شديد حيث تم تصوير ( الأب في التاكسي فقط– والبنت
مع الولد في الشارع ) الأب لا نعلم أين ينظر، ثم بعدها لقطة اخرى في مكان آخر
لأشخاص آخرون ! حتى جائت البنت لجارتها الصديقة " مديحة " واختها تحكي
لهما ان والدها رآها !!!. أين اللقطة التي شاهدت فيها أبيها؟
ربما
انه في التصوير تعذر حضور كل الممثلين في المشهد فتم تصويره كل لقطة وحدها على أن
يتم ربطهما في المونتاج، لكن كما ترون. حتى في المونتاج تم فصل اللقطتين بشكل
يعقدها لا لحلها.. وكأنه يبدو أن من كان في المونتاج ليس له علاقة بتسلسل
الأحداث.. وأحزن أن أرى غلطة بسيطة مثل هذه في مسلسل بحجم هذا العمل.. لكن الحقيقة
هذا أقل خطأ صادفته..
فقد
بدأت بهذا المثال في محاولة للوصول للأسباب الحقيقية لشعورنا هذا الشعور بداية من
تغيير المخرج.
فأفتقدت
كل الحلقات التي قام بإخراجها أ- خيري للقطات وجهات النظر.
التي
كانت تعتمد عليها المخرجة في سرد الأحداث التي تمر الشخصيات وكذا التغيرات التي
مرت بها مصر من خلال الشخصية الرئيسية في المسلسل " ذات " ف بدت لنا ذات
في الحلقات اللاحقة وكأنها شخصية عادية، مثل أي شخصية في المسلسل، وبدت لنا
الأحداث التاريخية التي مرت بها مصر وكأنها مقحمه على أحداث المسلسل وشخصياته،
التي تحولت إلى شخصيات باهته حتي الحلقات الأخيرة، ربما مسئول عن ذلك كاتبة
السيناريو التي لم تقم بعمل توازنات بين الحلقات الثلاثون قبل أن تقرر شركة
الإنتاج ان تحولهما من خمسة عشر حلقة إلى ثلاثون. ليست مسؤليتها فحسب، فقد جائت
أكثر المشاهد تأثر فيما بعد وكأنها مشاهد فارغة من أي نوع من التفاعل مع المتفرج،
واذكر هنا مثال واضح جداً في الفرق بين مشهدين، قبل وبعد تغيير المخرج.
فمشهد
بكاء عبد المجيد عندما طالبته بنتاه ان يوفر لهما اجهزة حديثة في المنزل كالفيديو
وبعض متطلبات المنزل الحديث، كان رد فعل انفعال ثم بكاء، وبكينا معه، وبكى الفيس
بوك والتويتر معه. حرفياً. كان هذا المشهد في الحلقة الثالثة عشر
أي
قبل تغيير المخرج، تم سرده اخراجياً بحرفية شديدة واتذكر لقطات وجهة نظر ذات لعبد
المجيد والبنات، واتذكر ردود افعالها على كلامه جيداً..
دعونا
ننظر لنفس المشهد ولكن في الحلقة الحلقة السابعة والعشرون.. اي بعد تغيير المخرج،
كان نفس المشهد تقريباً ولكن بإختلاف وقت الواقعة عندما كبر ابنه " أمجد
" وطلب منه شراء موبايل، وكان الموبايل اختراع حديث في ذلك الوقت، مثل زي
الفيديو في المشهد السابق بالظبط، فما كان من عبد المجيد الا أن أنفعل ثم بكي، فهل
أحد منا بكي معه ؟ تذكرنا هذا المشهد بعدها؟ فهل صدقناهم؟
- كان
رد مخرجة العمل، وبعدما كانت تصف المسلسل بطفلها الذي جاء بعد ولادة متعثرة – ثلاث
أعوام هي فترة عملها على المسلسل، جائت لترد عبر صفحتها على الفيس بوك - قبل أن
تقوم بإغلاقها بعد ذلك - رد أشبه بردود الأخوان المسلمون او نظام مبارك في
السابق.. لا تفهم منه شيء.. قالت انها ليست طرف في أي صراعات وطلبت من متابعيها
عدم افساد فرحتها بردود الأفعال حول الحلقات التي قامت بإخراجها !!!! فهل بهذه
الطريقة تتحدثين عن عملك التي قمتي بالتحضير له وتصويره ومونتاجه طوال تلك المدة؟
هل تخجل من أن تعلق على أستاذه، ربما خجلت أيضاً من قبل أن تجلس معه وتشرح له
طريقتها في سرد " ذات " مثلما يفعل أي مخرج يتعرض لهذا الموقف، لا اعلم
ماذا كان ينبغي أن ترد، ليس من شأني، ولكن ردها هذا كان مفاجأة للجميع وعلى رأسهم
المخرج الكبير – الذي هو الآخر من جيل أستاذ خيري – وكتب عن تعجبه لرد فعلها صراحةً
على صفحتة الشخصية...
قد
تطلقون عليه ظروف انتاجيه وقد تطلقون عليه استسهال، ولكن حقيقة بعدما شاهدت الحلقة
الثامنة والعشرون وما حدث بها، ف أستطيع أن أطلق على هذا الفارق أنه " جريمة
" نعم جريمة حينما يتم عرض حلقة بها خطأ كهذا... فبعد أن كنا نقرأ علي الشاشة
رقم السنة التي بها الأحداث الآن، وشاهدنا في بداية الحلقة أننا في عام 2003
والاحداث ايضاً في عام 2003 كسقوط بغداد،
وفي منتصف الحلقة تسير بنا الأحداث حتى 2005 كملف التوريث وغيره من الأحداث التي
مرت بها مصر في تلك الفترة، ثم قبل منتصف الحلقة يتم كتابة عنوان ( حادث الحسين
2005 ) يتم كتابته خطأ اننا في عام ٢٠٠٣ ورغم اننا مازلنا في نفس
الحلقة ( بمعنى ان الذي لا يتذكر الحادث يستطيع الملاحظة ان هذه
الحلقة بدأت بعام 2005 كما في العنوان السابق.. بعدها رجعنا تاني ل 2005 ! مبارك يدلي بصوته ف الاستفتاء في مايو 2005 (
التاريخ صحيح ).. بعدها حادثة شرم الشيخ 23 يوليو_ تم كتابتها خطأ
( 2003 بدل من
2005 ) رغم اننا مازلنا في نفس الحلقة..
وبهذا
يكون في ( حلقة واحدة ) التواريخ عالتوالي.. 2005 – 2003 – 2005 – 2003
هل
تدركون حجم هذا الخطأ وماذا يعني لمسلسل في حجم ذات ؟
خطأ
مونتاج كهذا إن دل فإنه يدل أنه لا أحد شاهد تلك الحلقات الأخيرة ولا حتى المونتير
نفسه، بمعنى انه لم يشاهد الحلقة كاملة ولو مرة واحدة بعد عمل المونتاج لها ، ولم
يقم المخرج نفسه بمشاهدة الحلقات من باب مراجعه عمله، ولم تشاهده أيضاً المخرجة من
باب حب التطلع !! رغم انه حسب ما قالت الصحف أنه تم الانتهاء من تصوير المسلسل
أواخر العام الماضي !!!! وهذا يعني انه حتى إن وضعنا عذراً لضيق الوقت، لا نستطيع
!!!
- فمن الأفضل لهم أن يكتبوا هذا " التنويه " في نهاية المسلسل:
- نؤكد
أن هذا السقوط الذي حدث في الحلقات الأخيرة من المسلسل، ليس سقوط مفاجئ، إنما هو جزء أصيل من الأحداث، والتشابه مقصود بينه وبين الإنحدار التاريخي لمصر.... فمصر
١٩٥٢ تختلف عن مصر 2013 .
( أسرة
المسلسل )